الاستقلال / (خاص):
في خطوة تؤكد جاهزيتها السياسية لإنهاء العدوان وحقن دماء المدنيين، أعلنت الفصائل الفلسطينية رسميًا موافقتها على المقترح القطري المصري لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، مُقدِّمة بذلك موقفًا موحدًا يقطع الطريق أمام الاحتلال للاستمرار في حربه المفتوحة على القطاع المنكوب.
وجاءت هذه الموافقة لتُسلّط الضوء على مماطلة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وسعيه لعرقلة أي مبادرة قد تُنهي الحرب. فرغم أن المقترح الجديد لا يختلف كثيرًا عن صيغ سابقة وافقت عليها إسرائيل، يواصل نتنياهو التهرب من إعطاء موافقة نهائية، متمسكًا بمشروعه العسكري، ومستمرًا في استخدام لغة التهديد والمراوغة لإطالة أمد الحرب.
في هذا السياق، تبرز قراءات سياسية تعتبر أن موقف الفصائل أحرج إسرائيل سياسيًا، ووضعها في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي، بعدما أصبحت الوحيدة التي ترفض إنهاء الحرب، متذرعةً بأوهام النصر وتحرير الأسرى، بينما تواصل تنفيذ سياسة التجويع والتهجير.
واتفق مختصان في الشأن السياسي، في حديثين منفصلين لصحيفة «الاستقلال» أمس الأربعاء، على أن فرص نجاح الصفقة اليوم تبدو أقوى من فرص فشلها، لكنها لا تزال مرهونة بميدان المعركة وتوازن الضغوط السياسية.
وكان مصدر في مكتب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، قد أفاد في وقتٍ سابق بأن الأخير يميل إلى رفض المقترح الأخير الذي قدمه الوسطاء المصريون والقطريون بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في قطاع غزة، رغم عدم إغلاقه الباب أمام صفقة جزئية.
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن المصدر أن نتنياهو يشترط الإفراج عن جميع الرهائن دفعة واحدة، قائلاً: «لن نترك أي رهينة وراءنا».
ويأتي الموقف الإسرائيلي بعد إعلان المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، أن رد الفصائل الفلسطينية على المقترح كان «إيجابياً جداً»، مؤكداً أن بنوده تتطابق بنسبة 98% مع مقترح سابق وافقت عليه إسرائيل، والمعروف باسم «مقترح ويتكوف».
بالتزامن، تناقش حكومة الاحتلال خطة عسكرية لاحتلال مدينة غزة، حيث تُسيطر حالياً على نحو 75% من مساحة القطاع، وسط تقارير تشير إلى أن رئيس أركان جيش الحرب إيال زامير سيقدم الخطة النهائية قريباً إلى وزير الحرب يسرائيل كاتس.
حسابات ضيقة
وترى الكاتبة والمحللة السياسية د. رهام عودة أن الفصائل الفلسطينية أحرجت رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بإعلانها الرسمي الموافقة على المقترح المصري–القطري لوقف إطلاق النار، في خطوة تهدف إلى إنهاء الحرب الدموية في قطاع غزة وحقن دماء المدنيين.
وقالت عودة خلال حديثها مع «الاستقلال»، أمس الأربعاء، إن موافقة الفصائل تمثل رسالة سياسية قوية بأنها تسعى جديًا لوقف الحرب، وتُسقط الذرائع التي يستخدمها «نتنياهو» لتبرير استمرار العدوان، وعلى رأسها ذريعة تحرير الأسرى.
وأضافت أن الفصائل أرادت «وضع الكرة في ملعب نتنياهو»، عبر تأكيد استعدادها للوصول إلى اتفاق يضمن انسحاباً «إسرائيلياً» تدريجياً من القطاع، ويحول دون تنفيذ مشروع الاحتلال الكامل والتهجير القسري.
ورأت عودة أن هذه الموافقة تكشف أن هدف الفصائل ليس استمرار القتال، بل تجنيب المدنيين المزيد من الدماء والمآسي، وإحراج «نتنياهو» أمام المجتمع الدولي، خصوصًا إذا استمر في رفض الصفقة، مما سيعزز الانطباع بأن هدفه الحقيقي هو تدمير غزة لا تحرير الأسرى.
في المقابل، قالت عودة إن نتنياهو يميل إلى رفض الصفقة رغم توافقها بنسبة 98% مع مقترحات سابقة وافقت عليها إسرائيل، لأنه لا يريد تحمّل المسؤولية السياسية بمفرده.
وتابعت: «نتنياهو يسعى لتمرير الصفقة بشكل غير مباشر أو بصيغة غامضة (نعم ولكن)، ليحتفظ لنفسه بهامش لمواصلة مشروع احتلال غزة مستقبلاً، متحرراً من أي التزام بوقف نهائي للحرب».
ولفتت إلى أن رئيس حكومة الاحتلال يستخدم التسريبات والتلميحات بشأن تردده كأداة ضغط نفسي على الفصائل لدفعها لتقديم تنازلات في مسار التفاوض.
وفي سياق متصل، وصفت د. عودة مصادقة وزير حرب الاحتلال، يسرائيل كاتس، على خطة احتلال غزة بأنها جزء من أدوات الضغط التي تستخدمها إسرائيل في اتجاهين: الأول، الضغط على الفصائل لتليين موقفها في المفاوضات؛ والثاني، التجهيز لسيناريو بديل في حال فشل الصفقة أو تعثرت في مراحلها، بحيث تكون قوات الاحتلال مستعدة لاستئناف العمليات العسكرية.
موافقة ذكية
وأعتبر الكاتب والمحلل السياسي فايز سويطي، أن موافقة الفصائل الفلسطينية رسميًا على المقترح القطري المصري تمثل خطوة ذكية تهدف إلى إخراج رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو من مأزقه السياسي والأمني، وإحراجه أمام حلفائه وشعبه.
وأوضح سويطي لـ «الاستقلال»، أن الفصائل، بتوحدها خلف موقف موحد، أرادت قطع الطريق على الاحتلال ومنعه من مواصلة سياسة التجويع والإبادة التي شوهت صورته عالميًا، خاصة بعد المجازر المستمرة في قطاع غزة. وأضاف أن المرونة التي أبدتها المقاومة تكتيك محسوب، الهدف منه دفع الوسطاء وخاصة مصر وقطر والولايات المتحدة، للضغط على نتنياهو للقبول بالصفقة.
ورأى أن مناقشة الاحتلال لخطة اجتياح غزة لا تعدو كونها ورقة ضغط لإجبار المقاومة على تقديم تنازلات في ملف الأسرى، مشددًا على أن هذا الأمر غير وارد، إذ إن هناك «حدًا أدنى من شروط المقاومة لا يمكن التنازل عنه».
وفي سياق متصل، فضحت أوامر الاستدعاء الإسرائيلية الإضافية ضعف الجبهة الداخلية، حيث أشار سويطي إلى أن نسبة كبيرة من جنود الاحتياط ترفض الاستدعاء، وأن العملية تحتاج شهورًا، ما يناقض التهديدات التي يلوح بها جيش الاحتلال بشن عملية وشيكة.
وأشار سويطي، إلى أن المقاومة ما تزال تفاجئ الاحتلال وتلحق به الخسائر، كما حصل في كمين خان يونس، أمس الأربعاء، الذي وصفه بأنه «أربك حسابات الجيش وأرعبه»، مما يؤكد أن القوة الميدانية ما زالت حاسمة في توجيه مجريات المفاوضات.
أما عن فرص نجاح الصفقة، فربطها سويطي بعوامل عدة، أهمها صمود المقاومة، وضغط الدول الوسيطة، والموقف الأميركي، خاصة في ظل تحرك داخلي إسرائيلي كبير قادته المعارضة، والتي نظمت مظاهرات حاشدة وهددت بالعصيان المدني. وأضاف أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد يسعى لتمرير الصفقة لتعزيز فرصه في الترشح لجائزة نوبل عبر إنهاء عدة حروب.
وختم سويطي بالقول إن فرص نجاح الصفقة اليوم تبدو أقوى من فرص فشلها، لكنها تظل رهينة ميدان المعركة وتوازن الضغوط السياسية.
التعليقات : 0